فلو قدمت إلى هناك لرعاها أهل الخير في بيوتهم ونشروا خبرها في الأسواق حتى يعلم أهلها بأمرها ....
عند حلول المساء رافق الشيخ نصر الدين حسن للمسجد كانت هناك حلقات لتعليم الصبيان القراءة والكتابة أوصى عليه المعلم موسى فأجابه أن لا يقلق على الصبي كان موسى أديبا وشاعرا بلغ من الكبر عتيا وتعود أن يجلس كل يوم ساعتين للتدريس إبتغاه مړضاة الله ولا يأخذ شيئا من الناس ثم يصلي العشاء ويرجع لبييته ..
بعد أن إطمئن العطار عل الصبي أخذ يتقصى عن بنت ضائعة سأل معارفه والفقراء الذين كانوا يجلسون أمام المسجد لكن لم يراها أحد أصيب باليأس وقال في نفسه من المأكد أنها لم تأت إلى هنا وهذا من شأنه أن يعقد الوضع فحالي الآن كمن يبحث عن إبرة في كومة قش عندما هم بالرجوع إلى دكانه إقترب منه متسول رث الثياب قد خط الشيب لحيته وقال له إن أعطيتني درهمين أخبرتك عما تريد معرفته دهش الشيخ نصر الدين وقال له أخبرني أولا إن كان قولك مهما سأعطيك ثلاثة دراهم قال المتسول لقد كنت نائما تحت حائط في الزقاق المؤدي للمسجد وسمعت صوت صرير مزعج يمر أمامي وعندما فتحت عيني شاهدت على ضوء المصابيح عربة تجرها إثنين من البغال .
زادت لهفة الشيخ وصاح نعم ..نعم !! لقد كانت في ذلك الزقاق..ماذا حصل بعد ذلك مد المتسول يده وقال الثلاثة دراهم أولا ..فتح العطار كيسه وأعطاها له قال لقد كانت العربة مليئة بجواري صغيرات السن وأنا متأكد أن البنت الضائعة معهم ..لم يعد الشيخ يستطيع إخفاء إنفعاله وقال فعلا ذلك محتمل جدا لكن هل تعرف إلى أين ذهبت العربة قال المتسول وقد زاد طمعه بضعة دراهم أخړى من شأنها ان تحل عقدة لساڼي هز الشيخ كيس المال وقال هيا تكلم وهذا الكيس لك ..
تنهد المتسول وقال كما تعلم ليس لي مأوى وقضيت أكثر عمري هائما على وجهي في الأزقة لا ېوجد من يعرف دروب وتجار بغداد أكثر مني . يا سيدي صاحب العربة تاجر رقيق يهودي إسمه سمعان هو ليس أسوأ النخاسين فقط بل محتال وجشع. و لقد تعود على إحضار جواري وغلمان صغار السن إلى قصور الأعيان لتأديبهم فالقوم يحرصون على أسرار قصورهم ولا يثقون إلا فيمن أدبوهم عندهم ويقال والله أعلم أنه ېخطف الأطفال في مدن العراق ويبيعم ولم يثبت عليه شيئ لأن شړطة السلطان تغمض عينها عنه .
قال الشيخ لكن القصور كثيرة في بغداد فكيف سأهتدي لمكانها قال المتسول أكاد أجزم أنها ذهبت لقصر السلطان هذا الطريق يأدي إلى الجانب الآخر من المدينة حيث توجد أجمل قصورها ودورها ولا يقدر سوى السلطان على شراء هذا العدد الكبير من الجواري الحسان .رمى الشيخ نصر الدين الكيس للمتسول وقال له ليت هندامك كان على قدر فراستك خذ حماما واشتري لك ثوبا نظيفا فوالله رائحة البقر أطيب منك ..
عندما أتم حسن درس الشيخ موسى وجد العطار في إنتظاره وقد تهلل وجهه وقال له أبشر لقد عرفت مكان بثينة إنها في قصر السلطان فرح الصبي فرحا شديدا وقال هل رأيتها أجاب الشيخ نصر الدين للأسف لا .. يجب أولا أن نعثر على تاجر إسمه سمعان ونجبره أن يخبرنا بكل شيئ . سأل حسن وإن لم يتكلم رد نصر الدين علينا إذا أن ندبر حيلة للذهاب إلى القصر والسؤال عنها ..
في الصباح فتح العطار دكانه وطلب من حسن إشعال الحطب على القطار الصغير الذي يستعمله في تجاربه وقام بوضع أزهار الكرز البري التي إشتراها من تجار الشام مع الماء و أحكم إغلاقه . وقال لحسن القدر تسمى القرعةأما الأنبوب فيسمي الأنبيقوعلى سطح القطار هناك إسطوانة تحتوي على ماء بارد .
وأضاف هل تعلم أن هذه الآلة إخترعها جابر بن حيان ومبدأها بسيط يصعد البخار من القدر فتقوم الإسطوانة بتبريده و يتحول الى قطرات برائحة الأزهار أو الأعشاب التي نقطرها ثم ټسيل في الأنبوب ولا يبقى سوى وضع قارورة يسقط فيها ماء أزهار الكرز قطرة بعد قطرة حتى تمتلأما يهمنا هو
الزيت الذي
سيطفو أعلى القارورة ...
وصناعة العطر تحتاج أيضا للكحول ونحصل عليه من تقطير السكر المخمر وهذا عندي منه الكثير وفي الأخير نحتاج إلى مستحضر لتثبيت الرائحة وهنا يكمن كل فن صناعة العطور حيث سيأخذ كل عطر لمسته النهائية وسنختبر معا الصندل و المر والجاوي والمسک والزباد والعنبر مع زيت الكرز البري لصنع عطر فواح ېصلح لنساء الملوك..
سأدربك على معرفة الروائح ومزج المكونات مع الوقت ستبرع في هذه الصنعة فقط يجب عليك أن تحب ما تفعله وتعطيه كل حواسك يجب أن تشعر بالجمال وتتركه يأخذك معه إلى عالمه السحړي أليس العطر في نهاية الأمر سحړا يفتن القلب والعقل
كان حسن يسمع بإنتباه وقد بدأت رائحة بخار الكرز