الأربعاء 25 ديسمبر 2024

حكاية عصفور وجرادة

انت في الصفحة 4 من 4 صفحات

موقع أيام نيوز

بعينه .
تتساءلون كيف ذلك
بالتأكيد ليس من علم العصفور لكن في الليلة السابقة حدث شيء عجيب سمع طرق الباب ففتح الباب و خرج ليجد رجلا لا يعرفه قال له أنه يريد أن يحدثه بأمر جواهر الملك إلتف عصفور لم يكن هناك أحد فخشي على نفسه لكن الرجل قال لا تخف جئت لخير لقد أعماني الطمع فأخت الجواهر وها أنا أرجعها وهي تحت صخرة كبيرة في المكان الفلاني أرجوك أن تعفي عني و يكون هذا سرنا
و كالعادة يحدق العصفور تحديقه الأبله ذاك ليستأنف الرجل الحديث سأعطيك صرة من المال مقابل صمتك لكن ارحمني و لا تشي بي إلى الملك أرجوك
و هكذا اتفق العصفور مع رئيس العصابة الذي دله على مكان الكنز لكن لماذا وفى رئيس العصابة بوعده بينما كان بإمكانه أن ېغدر بالعصفور و يوقعه مجددا في ورطة مع السلطان تطير برأسه و السبب أن زعيم العصابة كنا ېخاف منه خوفا شديدا إذ كان الناس في البلاد يتحدثون عن مقدرته في رؤية الغيب ونسجوا حوله الأساطير وكانوا متأكدين أنه في نهاية الشهر سيعرف الجناة و لقد تأكد من ذلك بنفسه كان يعتقد أن الرجل الذي عرف عدد عصابته و مكمنها لن يفوته مكان الكنز حتى لو غير مكانه فأراد أن يظهر في نفسه صفات الطيب ذي النية الحسنة لعله على الأكثر يغنم حياته .
و العصفور كالعادة لا يفكر بشيء إطلاقا لم يكن له سوى أن يثق في اللص و لكن الحظ كان حليفه .أصبح العصفور ذو مكانة كبيرة عند السلطان و حاشيته الذي جعل منه مستشاره الخاص و أعطاه و زوجته جناحا فخما في القصر و لم يزل الحظ حليفا للعصفور في قصر الملك .
و مرة ثالثة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فقد زار الملك سلطان البلاد المجاورة و الذي كان صديقا و حليفا له برفقة وفد كبير من حاشية و وزراء و كان ملكنا شديد الاعتداد بمستشاره الجديد العصفور الذي قد كان أثنى عليه في رسائل عدة وجهها إلى حليفه فأتى هذا الأخير معربا عن رغبته الجامحة في التعرف على هذه الشخصية الفذة و الحادة الذكاء محملا بكثير من العطايا التي كانت تجعل عيني الجرادة و العصفور تتلألآن.
لكن هذا الملك لم يكن كغيره من الملوك فقد كانت له فراسة الصقر و شجاعة الأسد و عطاء الأرض و من العلم دهر و من الحلم بحر و كان قد حضر اختبارا يختبر به العصفور فوجه إليه الكلام قائلا لقد سمعت عنك من ملكك ما يملأ نفس المكتئب سرورا و يرد الوضيع وقورا و أنا شاكر لك عملك و جدك فاحمر وجه العصفور و نفخ ريشه فخرا بكلام الملك الموجه له
و لم يلبث
أن انقبض و
غص صدره عندما سمع التالي واصل الملك الحديث
و إني حضرت لك اختبارا يليق بمكانك و أمر جنوده فدخلوا بثلاثة براميل كبيرة و أردف الملك قائلا أريدك يا سيد العصفور أن تخمن ما في هذه البراميل الثلاثة المغلقة اسود وجهه و أظلمت عليه الدنيا و ارتعدت أطرافه و هو يرى سيده الملك محمرا وجهه سرورا به و ثقة فيه و زوجته الجرادة التي تعض على أناملها من الخۏف و ملك البلاد المجاورة الذي ينظر إليه متحديا و اتجهت إليه كل العيون تنتظر الجواب بشغف بالغ لقد حوصر تماما ماذا يفعل هل تخلى عنه الحظ بعد أن سكنت له نفسه و في أشد ما يكون حاجة إليه 
فهو كذلك يفكر في بداية دخوله هذه المهزلة فمن حاډثة الجرادة و العصفور التي كانت في سهولتها كالعسل ثم حاډثة كنز الملك المسروق التي كانت في احتدامها حامضة كالخل و أخيرا هذه الحاډثة الثقيلة السوداء كالقطران و هو كالعادة رجل يتمتم بكل ما يفكر فيه فتمتم متنهدا متحسرا الأولى عسل و الثانية خل و الثالثة قطران .. 
و لم يفق إلا على يد الملك ټضرب كتفه و وجهه متهلل كالبدر أحسنت .. أحسنت علت التصفيقات و الزغاريد و انهمرت عليه التهاني من كل حدب و صافحه الملك و هنأه على نفسه و هنأ عليه ملكه و أجزل له العطايا و هو نفسه لا يصدق نفسه و كأنه في غيبوبة إنهالت عليه تهاني الوزراء و إطراءاتهم و طلب منه الملك زيارته في مملكته و كانت زوجته الجرادة أكثر ما يكون فخرا بنفسها أمام بقية النساء فقد أصبح زوجها الغبي من الحاشية الملكية و أكثر ما يكون منهم إلى الملك قرابة .
و بفضل الجرادة و الحظ أصبح للعصفور مكانة لا ينازعه فيها أحد عند ذي ملك و رياسة و لم يزل الحظ حليفه إلى آخر لحظات حياته و من يدري .. قد يأتي يوم يصبح فيه هو ملك البلاد بأسرها.
و حكاية الجرادة و العصفور هذه إحدى الحكايات الشعبية التونسية ورثها عنهم المهاجرون الجزائريون في أيام الاحتلال الفرنسي و هم يروونها لأبنائهم و أحفادهم يتناقلونها كابرا عن كابر و لا أدري إن كانت هذه القصة لا تزال تحافظ على شعبيتها في وطنها الأم و لكنها مع ذلك ما تزال تتمتع بحظوة لدى الأوساط الريفية أين تعايش الجزائريون مع التونسيين في ذلك الوقت ..

انت في الصفحة 4 من 4 صفحات