حكاية رحلة اثام بقلم منال سالم
تسمع النداء الخاص بالصعود على الطائرة لم تكن ذات صلة جيدة مع باقي أفراد بعثتها بالكاد تربطها بهم مجرد عبارات عابرة ورسمية لهذا وجدت صعوبة في الانخراط معهم انتقت عيناها بقعتها المنشودة بعيدا عن الصخب المحيط بها لهذا أسرعت الخطى تجاهها واستقرت جالسة بمفردها وهي تحرر زفيرا طويلا من رئتيها راحت تهاني تنظر إلى من حولها بشيء من الخۏف الممزوج بالحزن كم تمنت أن تجد عائلتها إلى جوارها تشد من أزرها في لحظات الفراق العصيبة لكن ما تذكره قبل خروجها من المنزل شجارها مع والدتها ونظرات القهر في عيني شقيقتها ألقت وراء ظهرها هذه المشاعر المحبطة ونفضت عن تفكيرها ما يعيق أحلامها وراحت تخاطب نفسها بكرة يعرفوا إن كان معايا حق لفظت الهواء بعمق من صدرها وهي تلمح ظل أحدهم يحل عليها قبل أن تجده يستقر بجوارها نظرت بطرف عينها لهذا الغريب الذي أفسد عليها عزلتها لم يلق لها بالا وانشغل بمطالعة ما بحوزته من مجلة ما رفعت يدها نحو جانب رأسها تسوي شعرها وركزت بصرها على الجواز الموجود بيدها ظل الصمت مخيما بينهما إلى أن أحست برغبة غريزية ملحة تدعوها لشرب الماء حينئذ تلفتت حولها وتكلمت بصوت شبه خاڤت لكنه كان مسموعا له مافيش حد بيبيع مياه هنا وجدت شريكها في المقعد يمد يده بزجاجة بلاستيكية مغلقة ناحيتها مرددا اتفضلي تفاجأت من تصرفه واعتذرت في حرج لا شكرا مافيش داعي ثم نهضت من موضعها متابعة بلهجة اتخذت طابعا رسميا أنا هشوف في أي مكان هنا أصر عليها بلباقة رافعا يده للأعلى بالزجاجة وهذه الابتسامة الصغيرة تزين صفحة وجهه دي زيادة معايا ومقفولة أوشكت على الاعتراض لكنه أبدى تصميما فاقها عنادا مش هاقبل بالرفض دي حاجة بسيطة أمام ما اعتبرته ذوقه اللطيف استسلمت خاصة أن مظهره المهندم والرسمي أوحى برقيه وعدم انتمائه لطبقة عامة الشعب الكادحة فأمثاله من الأثرياء لن يحاولوا استمالة إحداهن بواحدة من الطرق قبلتها منه قائلة بوداعة وقد ارتخت تعابيرها المشدودة نوعا ما شكرا على ذوقك عاودت الجلوس وراحت ترتشف من المياه المعدنية القليل نظرت ناحيته مرة أخرى عندما سألها أول مرة تسافري أجابت بحذر أيوه لاحقها بسؤاله التالي بطريقة أوحت برغبته في التودد إليها فسحة ولا شغل حاولت الحفاظ على جديتها وهي تجيب مقتضبة بعثة مط فمه معلقا في إعجاب بعثة واضح إنك من المتفوقين تنحنحت هاتفة في تهكم طفيف بيقولوا ترك المجلة من يده ووضعها جانبا ثم سألها باهتمام خريجة إيه تنهدت قبل أن تجاوبه علوم استدارت بجسدها نصف استدارة وسألته في تحفز يشوبه الضيق حضرتك سألتني كتير وأنا معرفش حاجة عنك على عكسها تماما كان مسترخيا لأبعد الحدود وكأنه اعتاد على محاولات الصد والرد من النساء لكنه كان لا يستسلم أبدا فله طريقته الاحترافية في جذبهن إليه للظفر بما يريد انتصب في جلسته ووضع ساقا فوق الأخرى ثم خاطبها بعتاب خفيف أكيد ده مش شكل حد ناوي شړ دي أسئلة عادية بنكسر بيها الملل فأرجو إن ده مايكونش مضايقك ردت بقدر من الحيطة مقصدش بس مش متعودة أتكلم مع حد مش عارفاه هز رأسه متفهما حين عقب عليها معاكي حق الحرص واجب برضوه بقيت نظرات تهاني مرتكزة عليه لا تعرف ما الذي كان يستحثها لمواصلة الحوار معه رأت كيف زادت ملامحه ارتخاء حين سألها بمكر بس الأهم إني معرفش لحد دلوقتي اسمك ممكن أعرفه ولا في مانع رغم القلق الذي يمور بداخلها تجاهه إلا أنها بعد لحظة من التردد قالت أنا دكتورة تهاني تعمدت إضافة هذا اللقب لتشعره بأهميتها لكنها وجدت ابتسامته اللبقة تتسع قليلا سرعان ما تعلقت نظراتها بيده الممدودة لمصافحتها عندما تكلم وهو يطالعها باهتمام تشرفنا يا هانم اندهشت منه وبادلته المصافحة فأكمل جملته وهو يمنحها نظرة ذات مغزى وأنا الدكتور ممدوح تلقائيا وجدت نفسها تبدل من أسلوبها المتجافي في التعامل لآخر لطيف مرح على أمل أن ينتهي هذا الحوار العابر بشيء من المنفعة المستقبلية فقلما التقت بأحد ممن ينتمون لفئة الأثرياء المنعمين بكافة سبل الراحة والسعادة كانت شديدة الحرص في عدم الحديث عن أمورها الشخصية فانتقت من الكلام ما جعل غالبيته يدور عن طبيعة عملها والمعاناة التي تتلقاها لتحصل على التقدير الملائم خاصة بعدما استثير فضولها بأحاديث ممدوح المشوقة عن جولاته وصولاته بالداخل والخارج فباتت شبه متأكدة من ملء جيوبه بما يفيض ليفعل ذلك لهذا أخفت عنه ما اعتبرته فقرها المعيب وبؤسها المنفر فكيف تخبره بأنواع البشر الذين تعيش معهم وهو ينضحون بكل ما هو تعيس انجذبت كليا إلى أسلوبه المشوق في سرد خبراته العلمية وما حاز عليه من جوائز وشهادات تقدير في فترات وجيزة وما زاد من إعجابها به أنه أخبرها بتخصصه في نفس مجالها مع فارق انتمائه لجامعة أخرى غير التي تخرجت منها للحظة شردت بخيالها بعيدا كأنما حلقت فيما بعد الأفق حيث وجدت فيه الطموح والوسيلة لتحقيق أحلامها العالقة شتت صدفة لقائهما صوت النداء الداخلي فنهضت تودعه وهي تمد يدها لمصافحته فرصة سعيدة د ممدوح أتمنى نتقابل تاني بدلا من مصافحتها رفع يدها برقة إلى فمه ليقبلها بنعومة قائلا أنا حقيقي محظوظ إنتي اتقابلت معاكي خفق قلبها لملاطفته التي لم تعهدها مطلقا وأحست بشيء ناوش مشاعرها رمشت بعينيها غير مصدقة تصرفه فتابع مشددا بنبرته المهتمة خدي بالك من نفسك يا دكتورة تهاني قالت بصوت مضطرب وهي تجاهد للحفاظ على ثبات بسمتها المرتبكة وحضرتك كمان لامها في ود بلاش حضرتك دي كده بتحسسيني إني كبير في السن استعادت يدها من بين أصابعه وردت نافية في توتر لأ خالص تصنع الضحك فحاولت التغطية على حرجها بقولها وشكرا مرة تانية على المياه اكتفى بالابتسام لها فتلبكت أمام نظراته المليئة بشيء كانت تتوق إليه تنحنحت متابعة وهي تشير بيدها يدوب ألحق اتحرك أشار لها بيده قبل أن يخفيها في جيب سروال بدلته البنية اتفضلي تحركت بتباطؤ والتفتت لأكثر من مرة لتلوح له وهي تبتسم كالبلهاء كان لا يزال واقفا في موضعه يمنحها نفس القدر من الابتسام والاهتمام بالكاد أبعدت نظراتها عنه قبل أن تختفي وسط جموع المتجهين إلى بوابة الصعود على متن الطائرة وهي ترجو أن يجمعها القدر به مرة أخرى ساعدتها المضيفة على بلوغ مقعدها المحجوز مسبقا بمؤخرة الطائرة فابتسمت لها مجاملة ووضعت حقيبتها الصغيرة بالدرج العلوي قبل أن تجلس وتشد حزام الأمان حول خصرها كانت ممتنة لكونها ملاصقة للنافذة الصغيرة حيث ستتمكن من رؤية السماء والسحب حين تحلق الطائرة عاليا نظرت جانبا عندما سمعت جلبة قريبة منها اشرأبت بعنقها محاولة متابعة ما يدور لكن فضولها تبدد وقد أشارت المضيفة لشابة غريبة عنها لتستقر بجوارها سرعان ما شملتها تهاني بنظرة فاحصة مدققة لهيئتها شبه الفوضوية ثيابها كانت عادية بل أقل بكثير من مقياس التناسق والملائمة الذي تضعه كمعيار في رأسها لم تكن مثلها محجبة ومع هذا لم تبد اهتماما بتصفيف شعرها بل عقدته جديلة طويلة وكأنها طالبة بالمرحلة الإعدادية ينقصها فقط الأنشوطة البيضاء والثوب الرمادي تطلعت الشابة غريبة الأطوار إليها بنظرات مشرقة مفعمة بالحياة واستطردت تسألها بلا مقدمات استهلالية مش إنتي دكتورة تهاني استغربت لمعرفتها السابقة بها وردت في دهشة حائرة أيوه ظلت ابتسامتها المتسعة كالبلهاء تملأ كامل وجهها ورفعت يدها لتصافحها معرفة بنفسها أنا دكتورة ابتهال من قسم الحشرات ومعاكي في البعثة يا للحظ العاثر من بين كل البشر تصبح هذه السمجة رفيقتها كيف ستتحمل المكوث معها طوال الأيام بل الأسابيع القادمة ريثما توفق أوضاعها وتستقل بذاتها إنها الچحيم بعينه بالكاد لامست يدها الممدودة إليها وبنوع من الترفع أيضا همهمت أها أهلا بيكي أضافت ابتهال بحماس أنا كنت دايما بشوفك في الكلية وفرحت أوي إنك معانا في البعثة ده الواحد أصلا مش مصدق إنه بقى على الطيارة ثم خفضت من نبرتها لتبدو وكأنها تهمس في أذنها عندما أكملت جملتها يعني كان صعب يطلعونا وسط الوسايط ما إنتي فاهمة بقى لم تنبس تهاني بكلمة بل شعرت بالضجر والانزعاج من وجودها وأظهرت ذلك على قسماتها لعل وعسى تفطن هذه الثرثارة إلى استيائها لكنها واصلت الحديث بلا توقف وسألتها أكيد وشي مألوف بالنسبالك تعاملت معها بجفاء فجاء ردها لأ ماظنش وكأنها لم تفقه للأسلوب المتعالي الذي تتخذه معها فاستأنفت الكلام بأريحية تامة كما لو كانت تربطها صلة وثيقة بها احنا برضوه قسمنا كان منعزل عن الباقيين بس أنا اللي عاملة زي الدودة عمالة أور هنا وهناك عشان أعرف كل حاجة فتلاقيني كده ليا لي كلام مع غالبية الناس وبيعرفوني على طول ما هو أنا أصلي عشرية مش بالساهل حد ينساني كده كانت كالصداع الذي يفتك بالرأس لم تستطع الخلاص منها بسهولة سحبت شهيقا عميقا تثبط به الضيق الذي راح يتصاعد بداخلها ولفظته وهي توجز في مشاركتها بالكلام تمام تفاجأت بها تلكزها في جانب ذراعها كما لو كانت رفيقة لها احتدت نظراتها وسددت لها نظرة محذرة فوجدتها تدعي الضحك لتخبرها بعدها في سماجة غير مستساغة لها احتمال يحطونا في أوضة واحدة في السكن يعني باعتبار إن مافيش غيرنا بنات وقتئذ حلت تكشيرة مستاءة على تقاسيمها وقالت بعبوس منفعل ادعي نوصل بالسلامة الأول وبعد كده نشوف اللي هيحصل كانت هادئة إلى أقصى الحدود فرددت بتنهيدة بطيئة يا رب بصي أنا بحاول ألهي تفكيري بالرغي معاكي شوية يعني بدل ما التوتر يمسك فيا أغمضت تهاني عينيها في يأس إسكاتها كان مستحيلا وضعت يدها أعلى جبينها وصوت هذه المزعجة يخاطبها تعرفي يا دكتورة تهاني ولا أقولك نخلي البساط أحمدي بينا فأنا أقولك تهاني كده بس وإنتي تقوليلي ابتهال أطلقت بعد ذلك ضحكة مجلجلة لتضيف معلش أنا رغاية حبتين زيادة وآ نفد صبرها على الأخير فانتفضت تصيح بها أنا دماغي مصدعة ممكن نهدى حبة أومأت برأسها مغمغمة ماشي صمتت لثانيتين قبل أن تعاود الكلام طب قدامنا أد إيه عقبال ما نوصل نفخت تهاني في سأم وأخبرتها في صيغة متسائلة مكتوب في التذكرة ماشوفتيهاش ولا إيه أجابت عليها بابتسامة عريضة لأ أصلي متوترة زيادة عن اللزوم أولتها جانب وجهها وهي تبرطم بسخط بينما ظلت ابتهال تحادثها بلا أدنى شعور بالملل عارفة بقية البعثة كلها قاعدة قدام المفروض كنا نبقى معاهم بس ملاقوش أماكن كفاية ف سلطت
تهاني كامل نظراتها على